الحاسوب فى خدمة الترجمه والتعريب
أولا: عمليات الترجمة ومتطلباتها:
السؤال الأول :ماهي الترجمة؟ أظن أن أقصر تعريف هو : نقل معاني نص من لغة إلى لغة أخرى مع مراعاة الدقة والأسلوب . إذاً هناك معياران لا بد من مراعاتهما عند نقل نص من لغة إلى لغة أخرى ، هما الدقة والأسلوب . وبالدقة نعني مراعاة المحتوى الدلالي أو محتوى النص الأصلي ، أما الاسلوب فمعناه مراعاة الجو الدقيق الذي كتب فيه النص سواء أكان النص شعريا أم نثريا قصصيا أم غير قصصي ، وسواء أكان النص تقنيا أم كان نصا علميا ، فنجد أن لكل من هذه أسلوبها المميز .ولابد لأي مترجم جيد أن يراعي تلك العوامل ، كما أن عليه نقل ذلك عند الترجمة إلى اللغة الهدف ، مع مراعاة الخصائص اللغوية والأسلوبية للغة المترجم إليها .
أما عمليات الترجمة فيمكننا أن نلخصها في عمليتين أساسيتين : فهم النص الأصلي والتعبير عن المحتوى والأسليوب بلغة أخرى. وحينما نقول فهم النص أو استيعابه ، فهذا يعني :
أ- أن المترجم يتعرف على الرموز المكتوبة في الترجمة الكتابية والرموز الصوتية في الترجمة الشفوية ، أي يتعرف على أصوات اللغة التي يستمع اليها إن كانت ترجمة شفوية أو يقرأ الرموز الكتابية للغة التي يترجم منها إذا كان النص مكتوبا.
ب-أن يتعرف على الوحدات المعجمية وهي الكلمات والتعبيرات الاصطلاحية ويفهم معانيها في سياقاتها اللغوية والاجتماعية المختلفة ، وأؤكد على سياقاتها المختلفة، لأن الكلمة الواحدة تعني أشياء كثيرة طبقا للسياق الذي ترد فيه . لنأخذ كلمة (تربية) مثلا. إذا أردنا أن نترجم الكلمة إلى الانجليزية نجد أن الترجمة تختلف إذا ماكنا نتحدث عن تربية الاطفال أوالتربية والتعليم أوالتربية البدنية أوتربية المواشي ؛ فكل واحدة من هذه لها مقابل بالانجليزية قد يختلف عن الآخر upbringing, education, training, breeding. هنا نجد أن السياق له دور جوهري في تحديد معاني الكلمات . ثم هناك جانب آخر فيما يسمى بالتعبيرات الاصطلاحية ( وتعريف التعبيرة الاصطلاحية هو : التعبيرة أو مجموعة الكلمات التي لايتضح معناها من معاني الكلمات المكونة لها ) .
هناك إذن مشكلة معاني الكلمات في السياقات المختلفة ( أي تعدد المعاني ) ، إضافة إلى المشتركات اللفظية (الكلمات التي تتشابه في كتابتها أو نطقها وتختلف في معانيها، مثل عين الإنسان وعين الماء ) وهناك التعبيرات الاصطلاحية .وهذه كما سنرى تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للترجمة عامة والترجمة الآلية خاصة.
جـ- التعرف على الوحدات النحوية وعلى وظائفها : أي تحديد الوحدات (الألفاظ والتعبيرات ) ومعرفة دور كل منها في الجملة ، مثل المسند والمسند إليه والتكملة . ومن أمثلة التعبيرات المضاف والمضاف إليه ، والجار والمجرور والصفة والموصوف وغير ذلك . وكل من هذه التعبيرات له وظيفته النحوية , فبعضها يقوم مقام الفاعل أو المفعول به وبعضها يقوم مقام الصفة أو الظرفية إلى غير ذلك . ومن الوحدات النحوية الجمل . ولابد للمترجم أن يفهم معنى كل واحد من هذه العناصر ووظيفته اللغوية والنحوية في النص . فصيغة الأمر قد تعبر عن إلزام السامع أو رجاءه أواستعطافه مثلا . كما أن الصيغة الخبرية قد تأتي للإخبار كما تستعمل للطلب غير المباشر(كما في عبارة "أرى أن لديك قلما زائدا" ) ، بل وللدعاء كذلك ("رحم الله فلاناً" مثلا).
د- معرفة حقل النص ومجال تخصصه . مثلا إذا كنت أترجم نصا في الكيمياء أجد أن بعض الكلمات تختلف معانيها في هذا النص مما لو وردت في نص في الفيزياء أو وردت في الالكترونيات. لنضرب مثلا بسيطا على ذلك . نجد في الصناعة أن كلمة plant تعني مصنعا كما أن نفس الكلمةقد تعني "نبتة" .وكلمة morphology علماء النبات يعنون بهاشيئا ، وعلماء الجيولوجيا يعنون بها شيئا آخر، وعلماء اللغة يعنون بها شيئا ثالثا. عليه لابد للمترجم أن يعرف حقل النص الذي يترجمه ؛ لأن ذلك يؤثر (كما يؤثر السياق اللفظي) على معاني الكلمات . ولذلك يطلق عليه البعض مصطلح "السياق الأكبرmacro context".
هذا باختصار مايتعلق بجانب فهم النص.
(2) الجانب الثاني وهوالتعبيرعن محتوى النص باللغة الهدف أي اللغة المترجم إليها. ويتطلب هذا معرفة بإنتاج المقابلات الصوتية أو الكتابية والنحوية والمعجمية والبلاغية . فعلى المترجم أن يعرف أن هذه التعبيرة الإسنادية مثلا تترجم إلى كذا ، وأن الجملة العربية تفضل البدء بالفعل بينما تبدأ الجملة الانجليزية بالاسم. نضرب مثالا بسيطا على مايسمى بمشكلة المقابلات النحوية : إن مايسمى بالفعل الماضي البسيط past simple في اللغة الانجليزية يستعمل استعمالات كثيرة منها للدلالة على حدث مضى ، وهذا يقابله الفعل الماضي في اللغة العربية ، ومنها أحيانا للدلالة على عادة متكررة في الماضي . وهذه لها مقابل مختلف تماما في اللغة العربية فنقول مثلا "كان يقرأ" ولا نقول "قرأ" كما تفعل اللغة الانجليزية للدلالة على هذه الظاهرة النحوية.
من هنا نجد أن على المترجم أن يعرف مايلي :
أ- قواعد النطق أو الاملاء وأصول الكتابة : قواعد النطق إن كانت الترجمة شفوية في اللغة المترجم إليها ، أو قوعد الاملاءوأصول الكتابة في هذه اللغة،إن كانت الترجمة تحريرية.
ب- ما يسمى بالتعادل أو التقابل المعجمي أو الاصطلاحي ، فالتعبيرة العربية "رجع بخفي حنين" ليس لها مقابل حرفي بأية لغة ، ولو ترجمت ترجمة حرفية لأصبحت مضحكة ولامعنى لها. فهي تحتاج إلى ترجمة مقابلة مساوية في المعنى وليس في الصيغة أو الشكل.
( وبهذه المناسبة نذكر طرفتين حدثتا في الترجمة . في بداية استخدام الحاسوب في الترجمة ، هناك مثل انجليزي معروف Out of sight, out of mind وترجمتها الحرفية "خارج عن البصر خارج عن العقل". والمقصود "البعيد عن العين بعيد عن الخاطر " ولكن الحاسوب ترجمها : "أعمى غبي" blind imbecile ("ليس له نظر" فهو أعمى و"ليس له عقل " فهو غبي !.) ويقال إن سفيرا عربيا في إحدى الدول الآسيوية ترجم له أحد هم عبارة Under Secretary ب" السكرتير السافل" (والمقصود طبعا "نائب الوزير" في الولايات المتحدة ) ولكن من حسن الحظ أن السفير كان يعرف اللغة الانجليزية فاستدرك الأمر عندما راجع النص . ومن الأمثلة المعروفة التي يخطىء فيه كثير من العرب مثلا ترجمة مكتبة تجارية إلى library . لتجنب أمثال هذه الأخطاء لابد للمترجم أن يعرف قواعد التقابل أوالتكافؤ المعجمي والاصطلاحي.
جـ- القواعد النحوية والصرفية واستعمالاتها في اللغة التي يترجم إليها. فالترجمة كالكتابة أو التأليف تخضع لنفس قواعد الصحةاللغوية .
دـ- القواعد الأسلوبية وهي القاعدة البلاغية المعروفة (لكل مقام مقال) فنجد أن الجملة أو العبارة قد تكون صحيحة نحويا ومعجميا ولكنها غير مناسبة من حيث المقام . كنت مثلا أثناء عملي مدير لمعهد اللغة العربية في جامعة الملك سعود كثيرا ما أجد من الرسائل التي ترد من طلاب أجانب موجهة إلى مدير المعهد بألقاب مثل : صاحب الفضيلة ، صاحب المعالي وغيرها. وكان بعضها مثاراً لضحك الزملاء ، لأننا نعرف أن هذه ليست الألفاظ التي تستعمل في مثل هذا المقام. فهذه العبارات صحيحة نحويا ومعجميا ولكنها خاطئة من حيث الاستعمال. (انظر: شيخ الشباب ، 2000م ونيوبرت وشريف ، 2002م و Ghazala, 2000 ).
من أجل كل ذلك يفضل بعض منظري الترجمة أن يكون المترجم من أهل اللغة المترجم إليها.
هذا ونجد أن كثيرين من دارسي الجوانب النظرية للترجمة يرون تقسيم المرحلة التالية للفهم إلى عميليتين اثنتين ، هما:
(أ) النقل ، أي عملية إيجاد المقابلات المعجمية والنحوية والأسلوبية لأجزاء النص المترجم ، مثل إيجاد الكلمات والتعبيرات المقابلة في المعني والوظيفة للكلمات والتعبيرات الواردة في النص الأصل ، وكذلك إيجاد التراكيب النحوية المقابلة للتراكيب الواردة في النص الأصل . فليس بالضرورة مثلا ترجمة كل جملة مبنية للمجهول passive في الإنجليزية إلى جملة مبنية للمجهول في العربية . فما يسمى بالمبني للمجهول في الإنجليزية ليس دائما مجهول الفاعل أو المسند إليه ، كما هو الحال في العربية ، حيث نجد كثيرا من الجمل الإنجليزية التي يذكر فيها فاعل الفعل صراحة في صيغة by X. والجملة الإنجليزية التي بها كلمة only ("فقط") كثيرا مايكون المقابل العربي الصحيح لها جملة تعتمد على النفي والاستثناء (مثل : "ما الحياة الدنيا إلا زينة" ) وهكذا .
(ب) أما العملية الفرعية الثانية فهي التأليف أو التوليف ، أي صياغية الجمل الناتجة من عملية النقل السابقة صياغية صحيحة صرفيا ونحويا وأسلوبيا، مثل صوغ (رجل +جمع) في صورة (رجال) و(مسلم +جمع) في صورة (مسلمين) ، وكذلك وضع الصفة في العربية بعد الموصوف ومراعاة قواعد المطابقة اللازمة . ومن ذلك أيضا تفضيل العربية الفصحى بدء الجملة بالفعل ، على عكس الجملة الإنجليزية التي تبدأ بالاسم . (هنا نلاحظ ميل بعض المترجمين العرب إلى إقحام أداة التوكيد "إن" لتسويغ البدء بالاسم في النص العربي ، كقولهم "إن مكة تقع في غرب المملكة العربية السعودية " بدلا من "تقع مكة ...") .